أغلق الصنابير

بسم الله الرحمن الرحيم

حتى تنجز إنجازًا علميًّا يليق بطموحاتك، وحتى تستطيع أن تنجز تلك المهام المتراكمة الداخلة في دائرة تأثيرك، لا بد من العمل الجادّ على التخلص من كمية المعلومات الهائلة في المجالات التي لا ناقة لك فيها ولا جمل، لا بد من السعي الحثيث نحو تقليص فتحة النافذة الكبيرة التي أشرعتها على العالم الخارجي، والتي أوهمت نفسك مع مرور الأيام أنك لا تستطيع الاستغناء عنها.

بينما أدرك غيرك أن ما لا يحتاجه من المعارف سيكون حتمًا على حساب ما يحتاجه، وأدرك غيرك أن ما لا يستطيع أن يفعل حيالَه شيئا من الأخبار ليس من المصلحة الاستغراق في متابعته، فأغلق تلك النافذة وترك منها بصيص ضوء يسير، فأثمر وأنجز وأنتج.

لا شكَّ أن في شبكات التواصل فرصًا عظيمة وأبوابًا كبيرة لنشر الخير لمن يدخلها بهذا القصد، لكنَّ أكثرَنا جعلته شبكات التواصل مجرد كائن منفعل لا فاعل، وأمسى قلبه مرمى لسهام الأحداث المتوالية، وتناوشته روحَه الأخبار المتسارعة، وتخلَّى وهو يراقب ما يحدث في كل مكان عن كثير من مهامّه ومشاغله الأساسية، وربما قصَّر بسبب ذلك في فرائضه وواجباته!

كثيرٌ مـمَّا يرِدُ إلينا من المعلومات عبر الشبكات يكدِّر النفس ويضيق الصدر ويحزن القلب، وللحزن سلطان نافذ على القلب في تخديره وتفتيت آماله وطموحاته، وكثيرٌ من المعلومات ليست كذلك لكنَّها ليست أولوية بالنسبة إلى معارف أخرى، وكثير من المعلومات المفيدة التي تصل عبر الشبكات مجرد معارف متناثرة لا يربط بينها رابط مما يقلل مستوى الانتفاع بها!

فلا شك أن مَن استطاع تقليل مستوى المتابعة غير المنتجة وإن كانت متابعةً “علمية” في شبكات التواصل، ودخل في عزلة شعورية حقيقية عنها، فسيجد بعد مدَّة ليست طويلة سعةً في وقته وانجماعًا على همِّه، وذلك لأنه أغلق تلك الصانبير المتدفقة بلا حساب على أرض القلب!

شارك المدونة

سليمان بن ناصر العبودي

سليمان بن ناصر العبودي

أشارك اهتماماتي المعرفية عبر هذه النافذة، محاولا تقريب المعارف وإثراء العقول بالعلم النافع.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

المزيد من المقالات

  • All
  • تأملات في الحياة
  • مسائل ومقولات
  • معارف وشخصيات
  • مهارات وأدوات
كرامة القلب! (جواب عابر عن دواء العشق)

الحب الوافد على القلب هو كالنار الصغيرة التي اشتعلت في الموقد، وحطبُها التواصل وتتبع الأخبار وتقليب الذكريات والركون للأفكار الخيالية والأماني البعيدة والأهواء الحالمة! فمن رام التعافي السريع منه فليقطع عنه هذا "المدد" من الحطب، وليسأل الله بإلحاح صادق واستغاثة خاشعة أن يهوّن عليه الألم "الوقتي" الذي سيشتعل في جوفه حالما تنطفئ هذه النار التي اشتعلت بلا قصد، وحينما تمسي هذا النار رمادًا فسينفخها بكلتا شفتيه وهو يتعجب…

26 نوفمبر، 2024
براءَة الجينات

لستُ أهوِّن من شأن الصفات الجينيَّة التي تولَد مع الإنسان، لكنِّي أزعم أن الشخصيات الإنسانية تتأثر بالظروف التي تكابدها تأثُّرًا عظيمًا، تمرُّ عليها عواصف مختلفة تجتال سكينتها، وتغتال ثباتها، وتعيد بناءَها، وترمِّم أجزاءَها، ومن ثَمَّ تحوِّلها إلى شخصياتٍ أخرى تكاد تفارق بها جبلَّتَها الأصليَّة، وتوشك معها أن تبرح طبيعتها الأولى.

4 نوفمبر، 2024
سلاسل المرتفعات!

من الحقائق الطبيعية أن الجبال لا توجد فرادى، لا يكاد ينشأ الجبل وحدَه في الصحراء المطمئنة، وإنما كثيرًا ما تتعاضد ظروف أرضية مختلفة تنشأ عنها سلسلة من المرتفعات كجبال السروات.

18 أكتوبر، 2024